يقع
المغرب في الشمال الغربي للقارة الإفريقية، ويمثل قاعدة استثناء في الوطن العربي والإسلامي،
لأنه لم يخضع لحكم “الإمبراطورية العثمانية” التي وصل نفوذها” أيالة الجزائر وتونس”
ولم تدخل المغرب نظرا لسيطرة” السعديين” على المملكة وتخوم افريقيا حتى نهر النيجر
مرورا بتمباكتو بمالي، وكان المغرب الأقصى بعيدا عن التبعية والنفوذ العثماني.
بعد
انتهاء السعديين سنة 1659 ظهرت “الأسرة العلوية” في سجلماسة بتافيلالت شرقا على يد
“مولاي علي الشريف “الذي ينتهي نسبه إلى الدوحة النبوية الشريفة، فمنذ ظهور
العلويين في القرن السابع عشر الميلادي إلى الآن يعتبر الإسلام مصدرا حقيقيا
لشرعية الحكم عند السلاطين العلويين داخل البلد.
والإسلام
دين الدولة حسب ديباجة الدستور المغربي الحالي، ويعتبر الملك أميرا للمؤمنين منذ
أول دستور سنة 1962 وحامى حمى الملة والدين ، والممثل الأسمى للأمة حسب الدستور
دائما ، فالملك هو الذي تصدر الأحكام القضائية باسمه ويعين القضاة بظهير شريف ،
وهو الذي يترأس “المجلس العلمي الأعلى” الذي يحسم في شؤون المسلمين الدينية من
فتاوى ونوازل فقهية ، ويستمد شرعيته الدينية من ميثاق البيعة الذي يعتبر صلة وعهد
بين الحاكم والمحكومين .
فالملك
حسب ثقافة الإنسان المغربي هو أمير المؤمنين وهو أمر ضروري في البلاد ولا يمكن
العيش والتعايش بدونه ، لأنه هو الفيصل والحكم والوسيط بين الأحزاب والتيارات
السياسية على مختلف مشاربها من يسار ويمين ووسطيين وإسلاميين وعرب وأمازيغ ،
فالقضايا المصيرية للوطن التي تطرح للنقاش العمومي تعرف دائما اللغط والسخب
والملاسنات والمزايدات السياسية ولا تخرج بنتيجة حتى يتدخل الملك دستوريا ويحسم
الأمر محل الخلاف بطريقة عقلانية ورصينة مع إعمال مبدأ الشورى وتشكيل لجان ملكية
مختلطة من مختلف حساسيات المجتمع المغربي من جمعيات واحزاب ومفكرين واستاذة
جامعيين ومهتمين وقضاة وعلماء مثل ما حصل في مسألة قانون” الأحوال الشخصية “سنة
2002 أو ما يسمى “بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي أصبحت تعرف “بمدونة
الأسرة “كما شكلت لجنة ملكية لتعديلها مرة أخرى الان وكذلك مسألة الإجهاض ومسألة
ظهور التشيع وانتشاره داخل التراب الوطني و أمور كثيرة تدخل فيها الملك شخصيا
ليعالجها بالطريقة الحاسمة والحكيمة التي تضمن الاستقرار والأمن الروحي للبلد .
إن
دور المؤسسة الملكية بالمغرب ضروري وحيوي ومقبول من طرف المواطن البسيط ومحل إجماع
وطني نظرا لتاريخها التليد الذي يمتد إلى ثلاثة قرون، عكس بعض الدول العربية
الفاشلة حسب تصنيف البنك الدولي وصندوق النقد مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا
التي تعيش في أتون الحرب الأهلي بسبب التدخل الخارجي والتعصب للهوية والطائفية
والتكفير للأخرين والتطرف للأفكار والمذاهب والصراع مع المؤسسات العسكرية على احتكار
السلطة وأسباب كثيرة خصوصا بعد الربيع العربي سنة 2010.
فالمشهد
السياسي داخل المملكة له خصوصيات مغربية والإسلام السياسي يبقى حكرا لشخص الملك
بصفته أميرا للمؤمنين حسب الطقوس والتقاليد المخزنية الملكية المتوارثة ، فوزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية مثلا تعتبر من وزارات السيادة ولا يمكن أن يتولاها حزب
سياسي معين حتى لا يتصرف فيها كحقيبة سياسية حزبية كأي حقيبة أخرى غير سيادية
،فالإسلام داخل المملكة رمز سيادي وركن أساسي من أركان الدولة ،و لا يحق للجماعات
الإسلامية أو الزوايا الصوفية أن تحتكر هذا المجال الحساس إلا بموافقة المؤسسة
الملكية دون غيرها ،ولعل نموذج حزب “العدالة الذي فاز في الانتخابات التشريعية
مرتين 2011 و 2016 دليل واضح على كيف تمت الموافقة على حركة دعوية إسلامية تسمى “حركة
التوحيد والإصلاح “ في نهاية غشت 1996 وتمكينها من تأسيس حزب سياسي مثل “العدالة
والتنمية “ الذي كان اسمه في بداية التأسيس “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية
“ التي كان يتزعمها الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله ، لأن قانون الأحزاب
السياسية المغربي في مادته الرابعة يمنع المس بالدين الإسلامي وتأسيس أي حزب سياسي
على أساس لغوي أو قبلي أو عرقي أو جهوي.
ختاما
تعتبر المؤسسة الملكية بالمغرب عامل استقرار ويمثل الدين الإسلامي والمذهب المالكي
لها امتدادا طبيعيا في تاريخها السياسي الحديث، وخطا أحمر لا يمكن المساس به من
طرف أيا كان وعقيدة راسخة للمغاربة من طنجة إلى لكويرة.