تحتفي دول العالم كل الثامن من شهر
مارس باليوم العالمي للمرأة، لما تكتسي من أهمية كبيرة في استمرار الإنسانية على
اعتبارها المولد للحياة والمكون للأجيال، وضرورة تمتعها بحقوقها لتحسين إعداد
الأجيال المقبلة على حسب تعبير الأديب والشاعر مصطفى المنفلوطي: “ما المرأة إلا
الأفق الذي تشرق منه شمس السعادة على هذا الكون فتنير ظلمته، والبريد الذي يحمل
على يده نعمة الخالق إلى المخلوق والهواء المتردد الذي يهب الإنسان حياته وقوته”.
ويبقى من الضروري معرفة الحماية التي
وفّرها قانون حقوق الإنسان للمرأة والحقوق التي يمنحها لها والآليات التي تساعدها
على أن تتبوأ المكانة التي تستحقها هذا من جهة، ومن جهة أخرى نظرا للاهتمام
المتزايد بحقوق المرأة في الآونة الأخيرة والتي زاد فيها الحراك السياسي للنساء
لافتكاك وتفعيل الحقوق المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان ودورها في
تحقيق التنمية والمستقبل المستدام.
أصبح وضع المرأة في أي مجتمع انعكاسا
لمستوى العدالة الاجتماعية في ذلك المجتمع، ومرآة لمستوى العدالة الاجتماعية فيه،
ومرآة لمستوى حقوق الإنسان في ذلك البلد؛ فكلما تحصلت على حقوقها، وعوملت بنفس
معاملة الرجل دون تفرقة أو قيد كلما زادت فرصها في العيش الكريم وزاد إسهامها في
مجتمعها.
ويشكل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة
أهم ركائز حقوق الإنسان؛ فحقوق المرأة عموما من الأمور الشائكة التي صارت محل
اهتمام المجتمع الدولي، والذي دعا إلى حمايتها وتعزيز وضعها ومساواتها مع الرجل في
جميع الحقوق دون تمييز.
ولا شك في أن هذه النظرة الضيقة لحقوق
المرأة من جانب البعض جعلت المجتمع الدولي يولي اهتماما خاصا بقضايا المرأة
باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، حيث اعتمدت العديد من الصكوك الدولية في
هذا المجال وتشكيل لجان دولية ذات طابع عالمي وإقليمي لرصد أوضاعها وإنشاء آليات
من أجل تطبيق الحقوق الإنسانية للمرأة مثل لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة.
وأكدت هذه الاتفاقيات، سواء الدولية أو الإقليمية، على حماية حقوق المرأة من خلال
آليات ذات طابع مؤسسي وتشريعي ملزم للدول الأطراف في تلك الاتفاقيات بتطوير
تشريعاتها الوطنية، وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية وتحقيق تقدم محرز على
مستوى التدابير والسياسات العمومية الوطنية.
للخوض في هذا الموضوع، سأتحدث عن حقوق
المرأة في القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال الصكوك الدولية، انطلاقا من مبدأ
المساواة والحقوق السياسية، المدنية، الاجتماعية والثقافية وطنيا ودوليا، ثم
الحديث عن آليات حماية حقوق المرأة في القانون الدولي لحقوق الإنسان التي
استحدثتها النصوص الدولية لمتابعة وترقية ممارسة حقوق المرأة سواء الدولية أو
الإقليمية.
يقصد بمبدأ المساواة من الجهة
القانونية أن القانون يطبق على الجميع دون تمييز، سواء بسبب الأصل أو الجنس أو
الدين أو اللغة أو المركز الاجتماعي، في اكتساب الحقوق وممارستها وتحمل الالتزامات
وأدائها. وتكون المساواة في عدة جوانب، مساواة أمام القانون والقضاء، الحقوق
السياسية، الأعباء والتكاليف العامة. ولقد جاءت المواثيق والاتفاقيات الدولية
لتؤكد ذلك، من خلال تضمين بنودها لمواد تضمن حق المساواة وعدم التمييز في جميع
المجالات. وبالرغم من عدم ذكر المرأة بشكل صريح في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
أو في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو العهد الدولي الخاص
بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، فإن جميع الاتفاقيات تشمل المرأة
بطريقة ضمنية في سياق المساواة. كما أن دستور المملكة المغربية نص على المساواة
بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية،
الثقافية والبيئية (الفصل 19).
ميثاق الأمم المتحدة: نصت المادة
الأولى على تعزيز حقوق الإنسان وحرياتهم الأساسية والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب
الجنس أو اللغة أو الدين أي بدون تفرقة بين الرجال والنساء. ونصت المادة الثامنة
على أنه لا تفرض الأمم المتحدة قيودا تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك
بأي صفة وعلى وجهى المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: إشارات
متكررة إلى مبدأ المساواة في ديباجته، المادة الأولى نصت على أن جميع الناس يولدون
أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق…، المادة الثانية نصت على أن لكل إنسان حق
التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الإعلان بدون أي تمييز كالتمييز بسبب
الجنس… أو أي تفرقة بين الرجال والنساء. كما نصت باقي المواد على المساواة في كافة
الحقوق الاجتماعية، السياسية، الثقافية والاقتصادية بين الرجل والمرأة.
الاتفاقيات الدولية: أكدت أحكام
العهدين الدوليين لسنة 1966 على حق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات،
وشددت على التزام الدول بكافة هذه المساواة، حيث نصت المادة الثالثة من العهد
الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن الدول الأطراف تعهد
في الاتفاق الحالي بتأمين الحقوق المتساوية للرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية نص على أن الدول تتعهد على المساواة بين الرجال والنساء في جميع الحقوق
السياسية والمدنية دون تمييز ويكفل لجميع الأشخاص حماية متساوية وفعالة ضد أي
تمييز العنصر أو اللون …. أو الرأي السياسي وغيره.
بذلت الأمم المتحدة جهودا حثيثة لإيجاد
وثائق قانونية خاصة تعالج من خلالها حالة التمييز القائمة ضد المرأة، باعتمادها
لأول وثيقة دولية تعالج حقوق المرأة حصرا؛ وهي “الاتفاقية الدولية للحقوق السياسية
للمرأة” بتاريخ 20/12/1952 ودخلت حيز النفاذ في 07/07/1954، بشروط متساوية مع
الرجل في ممارسة حقها في التصويت أثناء الانتخابات وبشغل المناصب العامة وممارسة
جميع المهام العامة، اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة لسنة 1957، التي نصت على حق
المرأة في اكتساب جنسية زوجها وعدم فقدانها لجنسيتها بمجرد الزواج أو نتيجة تغيير
زوجها لجنسيته أثناء الحياة الزوجية .
قرار الجمعية العامة رقم 2263 بتاريخ
27 نونبر 1967 المتضمن إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، وهو بيان رسمي دولي
للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين، إعلان الجمعية العامة سنة 1975 الذي حدد
سنة دولية للمرأة وأصدرت قرار بهذا الشأن 3010_د 27 بتاريخ 18 يونيو 1975، كما أن
منظمة العمل الدولية ساوت بين الرجل والمرأة في الأجر. نستحضر كذلك المؤتمر
العالمي الرابع للمرأة الذي عقدته الأمم المتحدة في بيجين من 4 إلى 15 شتنبر 1995،
والذي تبنته الجمعية العامة في 1995؛ وهو أكبر المؤتمرات التي عقدتها الأمم
المتحدة والذي تطرق لمعظم النقاط التي تمس حياة المرأة، سواء داخل الأسرة أو
خارجها، وخاصة تحقيق المساواة على مستوى اتخاذ القرار الاقتصادي، الاجتماعي،
الثقافي والسياسي .
اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة
لسنة 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، التي
استعرضت مختلف حقوق المرأة سواء المدنية وهي المتصلة بشخص الإنسان وتستمد أصولها
من شخصيته منها: الحق فالحياة، الحق في السلامة البدنية…. أما الحقوق السياسية
للمرأة فهي الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره عضوا في جماعة سياسية معينة والتي
تبيح الأفراد المساهمة في تكوين الإرادة الجماعية وتشمل حق الانتخاب، وحق الترشح
وإبداء الرأي في الاستفتاء وحق التوظيف في الوظائف العامة في الدولة، واعتمدت
اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة
1952 كأول وثيقة في القانون الدولي تهدف للاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة
وحمايتها في العالم. فالحق في التصويت يقصد به الحق في المشاركة الايجابية
بالانتخابات والاستفتاءات العامة لاختيار نواب يمثلون أفراد المجتمع في المجالس
النيابية، كما نصت على ذلك مجموعة من المواثيق الدولية، أما الحق في الترشح فهو
طلب العضوية في المجالس النيابية سواء البرلمان أو المجالس المحلية من خلال التقدم
بطلب الترشيح للجهة المختصة، وعرض برنامج انتخابي مقبول أمام المواطنين والتنافس
الشريف في الترشيح، كما أكد عليه الفصل 30 من الدستور 2011 الذي نص على أن القانون
ينص على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف
الانتخابية. أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 21 (لكل شخص حق المشاركة في
إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية)،
وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 25 بالتنصيص على
إتاحة الحق لكل مواطن بأن ينتخب وعلى قدم المساواة أن يشارك في سير الحياة العامة
إما مباشرة أو عن طريق ممثلين مختارين.
بعد استعراض الاتفاقيات الدولية، يتضح
اتفاقها جميعا على حق المرأة في التصويت والمشاركة السياسية مثل الرجال، واختيار
من يمثلها في المجالس النيابية والمحلية دون قيد أو شرط أو تمييز.
أما عن حقوق المرأة الاجتماعية،
الاقتصادية والثقافية فهي الحقوق التي يتمتع بها الفرد في علاقته بالمجتمع الذي
يعيش فيه؛ وهي حقوق نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر، وتتطور بتطور المجتمع، منها
الحقوق الأسرية والرعاية الاجتماعية والصحية، بينما الحقوق الثقافية فهي تقتضي
تلقي العلم وتعليم الآخرين وتوجيه الثقافة نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية،
كل هذه الحقوق تحمى وتعزز باليات تقع على عاتق كل الدول الالتزام باحترام كل
الاتفاقيات التي تتعلق بحماية حقوق الإنسان وإيجاد الآليات المناسبة لحمايتها
وتعزيزها.
هناك مجموعة من اللجان المتخصصة
التابعة للأمم المتحدة تقوم بالتنسيق بين الدول الأعضاء في تلك الهيئات ومنظمة
الأمم المتحدة في أداء عملها للحد من التمييز الذي يطال المرأة بجميع أشكاله،
وتعرض نتائجها في مجال حماية حقوق المرأة ومدى مراعاة الدول لهذه الحقوق على
المنظمات الدولية؛ منها لجنة حقوق الإنسان / اللجنة الخاصة بوضع المرأة التي تعمل
على التنسيق بين اللجان الأخرى للمنظمات الدولية والإقليمية مثل لجنة المرأة
العربية والمنظمة الإفريقية للمرأة، لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وتختص بفحص
التقارير المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من طرف الدول الأطراف التي تبرز
من خلال تقدمها والعراقيل التي تواجهها على مستوى التدابير والإجراءات المتخذة
سواء أكانت تشريعية، قضائية أو إدارية من أجل نفاذ هذه الاتفاقية، كل أربع سنوات
على الأقل أو كما طلبت اللجنة ذلك. وتلتزم هذه الأخيرة بتقديم تقرير سنوي للجمعية
العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي كما نصت عليه المادة 21
من الاتفاقية، وتقدم توصيات ومقترحات مهمة، حيث يحيلها الأمين العام إلى اللجنة
الخاصة بالمرأة لإعلامها. أما صندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة (الصندوق
الإنمائي للمرأة) المخصص بتنمية المرأة ويعرف باسم
(UNI FEM)، يقوم على توفير المساعدات الاقتصادية
والتقنية للبرامج المبتكرة والإستراتيجيات التي ترقى بالمرأة وتحفزها على المشاركة
السياسية، وتمكنها اقتصاديا وتعزز دورها داخل المجتمع لضمان حياة آمنة، له مكتب
إقليمي فرعي بالرباط يغطي كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ويعمل
بالشراكة مع وكالات الأمم المتحدة ومع المنظمات غير الحكومية الإقليمية والعالمية
على تحقيق أهداف عدة منها تعزيز قدرات المنظمات، الشبكات والجمعيات النسائية،
إضافة إلى حشد سياسي ودعم مالي للمرأة كإقامة شراكات جديدة بين منظمات المرأة
والحكومات، القيام بمشاريع ريادية لتمكين المرأة من الاندماج في المجتمع وفي
عمليات التنمية .
إضافة للآليات الدولية لحماية حقوق
المرأة على المستوى العربي، نجد لجنة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول
العربية، منظمة المرأة العربية، لجنة شؤون عمل المرأة العربية التابعة لمنظمة
العمل العربية، اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
لقد ساعدت منظمات الأمم المتحدة
المختلفة العاملة في مجال التنمية بشكل عام وتنمية أوضاع المرأة بشكل خاص وكذلك
شبكات دعم المرأة الدولية على تقديم محاور الجدل العالمية حول موضوعات المرأة
والتنمية. وكان مؤتمر الأمم المتحدة في نيروبي سنة 1985 ومؤتمر سنة 1990 محطات
هائلة لإدخال مفاهيم المرأة والتنمية إلى المنطقة العربية، مؤتمر القاهرة عام
1994، مؤتمر فيينا عن حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة عام 1994 ومؤتمر للمرأة في
بكين سنة 1995، كلها مراحل أسهمت بشكل كبير في تعريض عدد كبير من المنظمات غير
الحكومية العربية وأيضا الحكومات العربية إلى قضايا المرأة والتنمية .
كذلك تبنت معظم محطات المنظمات العامة
في مجال التنمية، سواء الدولية منها أو غير الحكومية المحلية، مفهوم تمكين المرأة
كموجه عام لسياسات وأنشطة تنمية المرأة، إذ إنه ثمة ترابط وثيق بين التنمية
الاقتصادية وتمكين المرأة؛ فالتنمية بحد ذاتها تحقق التمكين للمرأة الذي يؤدي إلى
تغييرات في عملية صنع القرار التي من شأنها أن تؤثر في التنمية العامة تأثيرا
مباشرا.
حقا لا تنمية دون مساواة كاملة بين
الجنسين والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لما للنساء من دور فعال كرائدات
أساسيات للتغيير، هذا ما يؤكده مسؤولو الأمم المتحدة في مختلف الفعاليات العالمية،
لا سيما عند اعتماد أجندة التنمية المستدامة، وخاصة الهدف الخامس منها الذي يؤكد
على ضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات، كما أن تفعيل
الاتفاقيات الدولية الحامية للمرأة، وهذا لا يتحقق إلا بالإرادة السياسية، من خلال
تعديل نصوصها القانونية وإقرار مبدأ المساواة الفعلي
.
ومن خلال ما سبق، فعلى كل الفاعلين
المدنيين والسياسيين اتخاذ كل التدابير اللازمة لنشر ثقافة حقوق المرأة وآليات
حمايتها وتعزيزها عن طريق تعليم حقوق الإنسان في النظام التعليمي الرسمي، وتشجيع
المجتمع المدني للقيام ببرامج توعوية وتكوينية للمرأة لتعريفها بحقوقها، إضافة إلى
منح المرأة الوسائل التي تساعدها على ثبوت مكانتها في المجتمع من خلال الحرص على
تلقيها التعليم اللازم، وإيجاد المناخ القانوني لدعم مشاركتها وازدهار عملها سواء
مع الرجل.