في يوم الجمعة الموافق لـ26 يناير 2018، شهدت
قاعة الندوات بمقر مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية بمدينة
العيون، حدثاً مهماً يسلط الضوء على إحدى أكثر القضايا إلحاحاً في الذاكرة
المغربية الحديثة، وهي قضية العدالة الانتقالية وتسوية ملفات الاختفاء القسري
والاعتقال التعسفي. اللقاء، الذي تم تنظيمه لتقديم كتاب "العدالة الانتقالية
بالمغرب: أية مقاربة لتسوية ملفات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي للضحايا
الصحراويين؟ أكدز، قلعة مكونة، والعيون نموذجا" للمؤلف محمد عالي الحيسن،
وقدمه الدكتور محمد فاضل الليلي، جمع بين توثيق للماضي والنظر نحو مستقبل يرتكز
على العدل والمصالحة.
محمد عالي الحيسن، خبير في مجال حقوق الإنسان
والعدالة الانتقالية، يقدم من خلال هذا الكتاب تحليلاً عميقاً لإشكاليات العدالة
الانتقالية في المغرب، مع التركيز على قضايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي
التي شكلت آلاماً معقدة في تاريخ المغرب الحديث، خاصة في مناطق أكدز، قلعة مكونة،
والعيون. الكتاب لا يقتصر على توثيق الانتهاكات أو سرد الأحداث، بل يطرح مقاربات
مستنيرة حول كيفية تعامل المغرب مع هذه الملفات الحساسة، ويقدم رؤى حول أساليب
التسوية التي يمكن أن تضمن العدالة للضحايا وتعزز من مسارات المصالحة الوطنية.
الدكتور محمد فاضل الليلي، في تقديمه للكتاب،
أشاد بالجهود البحثية الكبيرة التي بذلها الحيسن في رصد وتحليل الأحداث، مؤكداً
على أهمية العدالة الانتقالية كأداة للبناء والتطور في مسار الدول والمجتمعات التي
تعرضت لصراعات أو انتهاكات جسيمة. وأشار إلى أن الكتاب يمثل مساهمة قيمة في الحوار
الوطني حول هذه القضايا، مؤكداً على ضرورة إيلاء اهتمام خاص لملفات الصحراء في هذا
السياق.
النقاش الذي تلا تقديم الكتاب شهد تفاعلاً
كبيراً من قبل الحضور، الذين أجمعوا على أهمية معالجة آثار الماضي بشجاعة وصدق،
وضرورة العمل على إرساء دعائم الثقة والتفاهم بين جميع أطياف المجتمع المغربي. كما
تم التأكيد على أن العدالة الانتقالية لا تقتصر على البحث عن الحقيقة وتقديم
التعويضات، بل تشمل أيضاً إصلاح المؤسسات وضمان عدم تكرار الانتهاكات.
هذا اللقاء يمثل خطوة هامة في مسار البحث عن
العدالة والمصالحة بالمغرب، ويعكس الإرادة القوية لفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد
تقوم على الاعتراف بالأخطاء والعمل على تجاوزها، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على
الذاكرة الوطنية كجزء لا يتجزأ من عملية البناء والتطور.