في إطار تنفيذ مركز التفكير الاستراتيجي لخطته الاستراتيجية 2016/ 2013، وضمن سلسلة
دفاتر استراتيجية التي سيصدرها المركز، وضمن ندوات المبرمجة في الدفتر الأول
المعنون بالجهوية، تم عقد الندوة
الثانية حول الجهوية وسؤال
السياسات الإقتصادية ؟ نحو تدبير عادل للثروة لحل المعضلات الإجتماعية، وذلك
أيام 21 – 22 – 23 فبراير 2014 بالعيون، وحضر الندوة نخبة
من ذوي الاختصاص في المجال الاقتصادي والمالي من النخب العالمة القادمة من عمداء
كليات الحقوق واساتذة جامعيين من ذوي
الاختصاص بجامعات محمد الخامس
اكدال بالرباط وجامعة القاضي عياض بمركش وكلية الحقوق السويسي بسلا ومدير المدرسة الوطنية للمعلوميات والنظم بالرباط، وثلة من النخب الاقتصادية المفكرة ودكاترة وباحثين الذين قدموا من
مختلف الاقاليم الصحراوية بمدن
بوجدور والسمارة وطانطان والعيون.
ثانيا : الأرضية
الحديث عن
الجهوية أو نمط الحكم اللامركزي يتجدد اليوم في وقت شهد العالم فيه خلال العقود
الثلاثة من القرن الماضي تغييرات اقتصادية عميقة، خاصة بعد تفكك المنظومة
الاشتراكية، وترسخ دعائم النظام الرأسمالي، مع ما وكبه من اتفاقيات اقتصادية توجت
باتفاقية الغات بمراكش 1994 التي أحدثت بموجبها منظمة التجارة العالمية بغاية تحرير
التجارة، وما تلا ذلك من انعدام التوازن في البناء الاقتصادي والاجتماعي، سيجسد
السمة الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي، وستمتد آثاره إلى مراجعة الاختيارات
الكبرى حول أنماط الحكم ما بين نمط المركزية إو اللامركزية وما بين الدولة البسيطة
إو الدولة المركبة، واستتبع هذا النقاش سياقا أخر لا يقل أهمية تجسد في الجدل
المفتوح حول النهج الاقتصادي المقبل بخصوص دور الدولة من الحارسة الى المتدخلة ومن
الانتقال من نقاش الأشكال التقليدية للدول إلى المفاهيم الجديدة للدولة الحديثة :
كالفدرالية والاستقلال الذاتي والجهوية
هاته الأنماط التي ظهرت في أوروبا وأمريكا في أشكال متعددة ومتنوعة إما
بمرامي اقتصادية وتنموية تسعى إلى تحقيق العدالة المجالية بين جهات البلد الواحد
أو بغايات سياسية تتوخى امتصاص الخلافات بين التشكيلات الاجتماعية ضمن التنوع الذي
تفرضه الخصوصيات الجهوية، والتي تطورت في عدة تجارب من جهوية اقتصادية إلى جهوية
إدارية وصولا إلى الجهوية السياسية كالتجربة الالمانية والفرنسية والبلجيكية في
هذا المجال.
ولقد شهدت
البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة بعد الثورات تحولات همت بنيات الدولة على
مستوى الأنظمة السياسية وعلى صعيد أنماط التدبير الاقتصادية المتبعة، وفتحت النقاش
الدستوري والسياسي حول شكل الدولة وأي هذه الأنماط يستجيب لتطلعات الشعوب في تحقيق
الحرية والانفتاح والعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات بما يحقق التصدي
للمعضلات الاجتماعية من بطالة وفقر وهشاشة ويمكن من دمقرطة صنع القرار السياسي
والاقتصادي في إطار سياسات القرب والديمقراطية المحلية.
وفي المغرب لم ينقطع النقاش حول الإصلاحات الدستورية
والاقتصادية منذ الاستقلال، بحيث إذا كانت الدولة
قد ظلت الفاعل الرئيسي في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن التوجه
نحو الجهوية المتقدمة الذي تم التنصيص عليه في ديباجة دستور 2011، في انتظار صدور القانون التنظيمي لها، يطرح
العديد من التحديات على المستوى الإجرائي فيما يتعلق بحجم السلطات والصلاحيات
والأدوار المنوطة بالجهات والتي ظل يتزايد ارتباطا بالدينامية الحالية التي تعرفها
السياسات العمومية المتبعة في مجال التنمية الجهوية، سواء السياسات الصناعية أو الفلاحية
أو السياحية، إلى جانب السياسات الرامية إلى تشجيع التشغيل، وفي حجم الاستثمارات
العمومية التي تقوم بها المقاولات والمؤسسات العمومية، أو من خلال النشاط الذي
تقوم به وكالات التنمية الثلاث الممثلة في وكالة تنمية أقاليم الشمال ووكالة تنمية
أقاليم الجنوب ووكالة الجهة الشرقية، والأدوار المفترض أن تلعبها هذه الجهات في
تحقيق التضامن الترابي بينها وتقليص التفاوتات الناتجة عن تمركز الثروات.
ولعل جهة الصحراء تجسد هذه
الدينامية من خلال الجهود الواعدة التي سعت من خلالها الدولة الى تهيئة الشروط الكفيلة بتحقيق إقلاعها الاقتصادي
والاجتماعي؛ ذلك أن المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الجهة، مع نهاية
الاحتلال الإسباني، كشفت عن تأخر على كافة المستويات مقارنة بباقي جهات المملكة، وتعدّ
الصحراء نموذجا للمجهود الإرادي للدولة، من خلال برامج التأهيل التي شملت على
الخصوص قطاعات السكن، الصحة، والبنيات التحتية الأساسية لشبكة النقل الجوي وعلى
مستوى تجهيزات الموانئ والشبكة الطرقية....؛ وفي الرفع من مؤشرات البعد الاجتماعي
بفضل برامج التنمية البشرية، إلا أن هذه المنطقة لا تزال تواجه تحديات متعددة من
بينها التطور المحدود لمبادرات القطاع الخاص وهيمنة الريع، وضعف إسهامات القطاع
البنكي في مشاريع الجهة القادرة على إفراز
تدفق نقدي خاص بها مما ترتب عنه ارتفاع معدلات البطالة واتساع قاعدة الهشاشة
والفقر واستنفاذ السياسات الاقتصادية القائمة للغايات المرجوة منها؛ ومن شأن اعتماد
جهوية متقدمة مستجيبة للمعايير الدولية واعتماد النموذج التنموي الجهوي الجديد
للأقاليم الجنوبية، أن يفتح الجهة على إمكانات الاستثمار العالمي في مجالات
الصناعات المعدنية، الصيد البحري، السياحة و الطاقات المتجددة...، وتحقق بالتالي
النهوض الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
إن التشخيص الشمولي للوضع القائم، من أجل التوصل إلى
مقترحات واقعية بإبراز الإنجازات المحققة خلال العشرية الأخيرة وتسليط الضوء على
الاختلالات والمعيقات التي تقف أمام تنزيل سليم للجهوية المتقدمة، يظهر انه رغم تحقيق العديد من المنجزات الهامة،
فإن الفوارق ما بين الجهات لا تزال قائمة إلى اليوم، ومن هنا يصبح من المشروع
التساؤل إلى أي حد يشكل التباين في النمو ما بين الجهات وتمركز الثروة الوطنية
عائقا أمام للجهات للاضطلاع بشكل فعال في مجال صياغة وتنفيذ السياسات المحلية ؟
ألا يفترض توزيع الموارد مع استثناء التحويلات الضريبية للدولة وإعادة توزيع
الضرائب ضرورة أن يتم تقليص الفوارق في الميزانية بين الجهات؟ أليس من الواجب التفكير
في الشروط الواجب توفرها حتى يتسنى اللجوء المحدود إلى الاقتراض ليبقى مصدر لتمويل
التنمية على المستوى المحلي ؟ والى أي حد يشكل ضعف الموارد المالية وعدم استغلال
الإمكانيات الجبائية وتعقيد المساطر وقلة الموارد البشرية المؤهلة عائقا أمام
البرامج الهادفة إلى تعزيز النمو الاقتصادي للجهات؟ وما مدى مشروعية الحديث عن
إسهام الجهوية في إطلاق دينامية اقتصادية في الصحراء قائمة على المبادرات الفردية
وتحريك القطاع الخاص وتشجيعه، والحد من الاستهلاك الداخلي لتنمية الادخار، وجذب
رؤوس الأموال الأجنبية، وتطوير التصدير، والعمل على زيادة الثروة الوطنية، أو ليس أجدى
من المعالجة الأمنية في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة بها، وما خلفته من
مشكلات اجتماعية وأمنية لا حصر لها؟ هذه الاشكالات سنحاول مقاربتها من خلال محاور هذه
الندوة.
ثالثا : محاور الندوة
1. التوازن والتضامن الترابي بين الجهات من العدالة المجالية إلى العدالة
الاجتماعية.
2. الإمكانيات المالية والجبائية والموارد البشرية المؤهلة كآليات لتنفيذ السياسات الاقتصادية الجهوية.
3. الصحراء من هيمنة الريع إلى اقتصاد تنافسي واستقطابي
4. الصحراء بين المتطلبات التنموية ومستلزمات الحكامة الإقتصادية الجيدة
رابعاً : الافتتاح
اشتمل الافتتاح
على الكلمات التالية :
كلمة السيد / مولاي بوبكر
حمداني، وأعطى تقديما موجزا لمركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية
كجهة منظمة وأبرز الانشطة التي قام بها، وتقدم بالشكر للضيوف والمشاركين في الندوة،
كما أكد على أهمية تناول الجهوية من جانبها الاقتصادي لتكوين صورة متكاملة حول
مشروع القانون التنظيمي حول الجهوية من كل الجوانب القانونية والمالية والجيبائية
والمرتبطة بتأهيل الموارد البشرية.
خامسا ً: سير أعمال الندوة
■ الجلسة الاولى : دور الجهة في تدبير الشأن الاقتصادي ومشروطية الموارد
العامة والذاتية، المحور الأول : التوازن والتضامن الترابي بين الجهات من العدالة
المجالية إلى العدالة الاجتماعية.تحدث فيها د. صبح الله الغازي عميد
كلية الحقوق بسلا و وعضو المجلس الدستوري سابقا عن
موضوع : تأملات في الجهوية الاقتصادية،
وتحدث فيها نائب رئيس مركز الصحراء للدراسات والابحاث د. الطالب بويا ماء العينين عن
أثر تدبير السياسات المجالية
على التنمية الاجتماعية في الصحراء، اما في المحور
الثاني : الإمكانيات المالية والجبائية والموارد البشرية المؤهلة كآليات لتنفيذ السياسات الاقتصادية الجهوية فقد
عرض د. محمد السعيدي مدير المدرسة الوطنية للنظم والمعلوميات لموضوع :
دور التكوين و البحث العلمي في تطوير المهارات وبناء القدرات لمواكبة الأوراش التنموية بالجهة، وتناول
فيه بالتحليل الباحث والاطار بوزارة المالية بالعيون،
د سعيد بوشكوك موضوع : الجهوية والتنمية السوسيواقتصادية من الجهوية
الاقتصادية الى بناء الاقتصاد الجهوي
وترأس
اعمال هذه الجلسة السيد / مولاي بوبكر حمداني رئيس المركز.
■ الجلسة الثانية : موقع الصحراء في التقسيم الجهوي المرتقب وسؤال التكامل اقتصادي، المحور
الأول : الصحراء من هيمنة الريع إلى اقتصاد تنافسي واستقطابي.تحدث
فيها د. محمد بنموسى
عميد كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش في
موضوع : الأقطاب التنافسية الخروج من اقتصاد الريع الى اقتصاد تنافسي، وتحدث
فيها د. بن حيون المدني
الاستاذ الجامعي بكلية الحقوق بمراكش عن
موضوع : الاقتصادي
الاجتماعي والتضامني ومستلزمات الحكامة، ثم تناول رئيس مركز الدارسات الإقتصادية وتقييم السياسات العمومية
د . اداعلي عمر توسيع العرض الانتاجية و استراتيجية القطب الاقتصادي الجهوي العيون
بوجدور، وعرضت عضوة المكتب الوطني لمركز التفكير الاستراتيجي دة.
مينة لغزال لموضوع : جهة الصحراء قطب مستقبلي تنافسي، أما في المحور الثاني
المعنون ب : الصحراء بين المتطلبات التنموية ومستلزمات الحكامة الإقتصادية الجيدة
فقد عرض د. أحمد لكحل لموضوع : أية التنمية لأي صحراء؟، وتناول
بالتحليل الباحث في العلوم السياسية والشؤون الصحراوية د. سيبويه محمد يحضيه لموضوع التنمية بين مجهودات الدولة وواقع المنطقة.
وترأس اشغال هذه الجلسة السيد /
الدكتور المهدي الكيرع عضو المجلس الاداري للمركز .
وبعد عرض مداخلات المحاضرين والاستماع إلى مداخلات
ومناقشات الحضور المتميز تم التوصل إلى إقرار التوصيات التالية :
(1) ضرورة التعجيل بإخراج
القانون التنظيمي حول الجهوية يستجيب لتطلعات الساكنة بما يضمن التوزيع العادل
للثروة واستعادة الضرائب التي تستخلص خارج الجهة، مما يتيح لساكنة الصحراء من
الاستفادة منها وخاصة لتوفير مناصب للشغل للتصدي لمعضلة البطالة التي ارتفعت في
هذه الجهة بما يفوق معادلاتها وطنيا، وبما يضمن ايضا محاربة كل اشكال الفقر
والهشاشة.
(2) الارتقاء باقتصاد
المعرفة بالصحراء الذي اصبح مصدرا مهما لإنتاج الثروة على الصعيد العالمي بدون
الاعتماد على الثروات الطبيعية التقليدية مقدمين امثلة من قبيل برامج الشبكات
الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية التي تدر على اصحابها المليارات.
(3) التأكيد على ضرورة أنشاء
جامعة بالمعايير العالمية بمدينة العيون لتأهيل الموارد البشرية التي سيناط بها
تسيير الجهة.
■ وفي الختام :
توجه المشاركون في الندوة بالشكر والتقدير لمركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن
الديمقراطية على جهوده المتميزة في متابعة القضايا المتعلقة بالشأن العام بمنطقة
الصحراء وتوسيع فضاءات النقاش العمومي، منوهين الى ضرورة اشراك فئات اخرى من
منتخبين وفعاليات مدنية في الندوات والاعمال المقبلة، وخلق لجان لتتبع التوصيات.
هذا وقد أقيمت كل الجلسات وأشغال هذه الندوة في فندق اميليو موريتي بساحة أم السعد بالعيون . وعلى ذلك اختتمت اعمال الندوة بالعيون في 23/02/2014