إن المتتبع لقضية الصحراء يدرك جديا انه لم يعد
بالإمكان فك خيوط القضية دون التحلي بنوع من الإرادة و الشجاعة السياسية للخروج
بالمشكل من نفق الجمود و السير قدما بالقضية نحو حل يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف
ويضع حدا لكل الماسي والويلات التي جلبها هذا المشكل لأبناء وشعوب المنطقة.
في اعتقادي أن واقعية الحل هو ما دعا إليه
العديد من السياسيين ممن خبروا أسرار هذا النزاع وتعاقبوا على إدارته وملامسة أدق
تفاصيله ، بداية من المبعوث ألأممي الأمريكي الجنسية جيمس بيكر الذي أكد على أهمية
الوصول إلى حل متوافق عليه بين الأطراف وفقا لقاعدة لاغالب ولامغلوب ووصولا لزميله
الهولندي بيتر فان فالسوم الذي أكد على أن خيار الاستقلال هو اقتراح “غير واقعي”
كما أن خيار الانضمام التام في نظر البعض قد يتعارض مع أمال وطموحات أولئك اللذين
يرغبون في تسيير شؤون أنفسهم بعيدا عن أي سلطة مهما قل شأنها، ومن ثم فإن أي تصور
سليم لابد وان يتضمن ويضمن الحل الذي يكفل للجميع كرامته وحقوقه وللمنطقة وأبناءها
السلم والأمن ويساهم في إيجاد صيغة نهائية ودائمة لطي الملف.
إن تصورنا هذا قائم على انه لا يمكن التكهن بان
أي طرف سيقبل خروجه خاسرا أو خاوي الوفاض في مسالة يعتبرها شرطا لوجوده ، من هنا
يمكن أن نستنتج جسامة التضحيات والمسؤوليات التي تواجه كل المعنيين من اجل التوصل
إلى صيغة تسعى لإرضاء الجميع.
الأكيد أن جميع الأطراف أبانت عن حسن نواياها
عبر انخراطها في مبادرات عديدة من خلال محطات مختلفة ابتداء بموافقتها على وقف
إطلاق النار والدخول في مخطط التسوية وإطلاق كافة الأسرى والإفراج عن السجناء
السياسيين والكشف عن المختطفين ثم وصولا بإجراءات بناء الثقة لتسهيل عمليات تبادل
الزيارات بين الأسر في منطقة النزاع.
غير أن المسالة هنا تتطلب الانخراط في مبادرات
أكثر جرأة و شجاعة ومن ثم فمن غير العدل أن لا نستحضر المبادرة المغربية الجادة
والواقعية بشهادة العديد من كبار السياسيين و التي سعت إلى محاولة كسر الجمود
وإخراج القضية من خندق الأزمة.
إن مقترح الحكم الذاتي والذي وصفه نائب وزير
الخارجية الأمريكي نيكولاس بيرنز ب”الواعد” لدليل قاطع على حسن نية المغرب لتجاوز
المأزق باعتباره يؤسس لمفهوم السلام وذلك من خلال تمكين الصحراويين من تسيير
شؤونهم بأنفسهم داخل وطن واحد يحتضنهم ضمن حدود سيادية تكفل للجميع الكرامة و
السلم والأمن،
غير انه يجب الإقرار بان أسوء ما يفسد مثل هذه
المبادرات البناءة هو أساليب المناورات السياسية المرتبطة بالإصرار على التمسك
بالمواقف التقليدية والذي يصل في بعض الأحيان إلى التلويح بخيار السلاح والعودة
إلى شبح الحرب أو إشهار ورقة حقوق الإنسان للتشويش أي حل يبدو في الأفق ويتعارض مع
بعض وجهات النظر.
الأكيد أننا اليوم نعيش في عالم يتغير بين لحظة
وأخرى وأمامنا فرص لا تحتمل الانتظار ورهانات صعبة تستدعي منا الأخذ بزمام الأمور
مادام الحل بين أيدينا غير انه يجب الإيمان بان أي تفكير يستهدف إلغاء الأخر لن
يزيد الموقف إلا تأزما وعمقا.
المطلوب إذن هو محاولة إيجاد صيغة تحاول أن
ترضي الجميع وهو أمر يتطلب المزيد من التنازلات والتعبير الصادق عن النوايا الحسنة
حتى نبني بذلك لثقافة سلام دائمة بين الإخوة الأشقاء ونجنب شعوب المنطقة وأبناءها
المزيد من آلام والتشرذم ولن يتأتى هدا إلا بتقديم المزبد من التضحيات والانخراط
في مبادرة أكثر شجاعة تؤسس لنوع آخر من السلام، سلام يمكن أن نعتبره سلام الشجعان…